تعريفات ترمب الجديدة- جنوب شرق آسيا بين التجارة والدبلوماسية.

المؤلف: محمد صديق (القاهرة)09.06.2025
تعريفات ترمب الجديدة- جنوب شرق آسيا بين التجارة والدبلوماسية.

بعد مضي عدة أشهر من التهديدات المتبادلة، والمباحثات المكثفة، والجهود الدبلوماسية الحثيثة، شرعت الولايات المتحدة في تطبيق نظامها الجمركي الجديد في السابع من أغسطس عام 2025، وذلك بموجب أمر تنفيذي شامل صادر عن الرئيس دونالد ترمب في الحادي والثلاثين من يوليو.

يُجسد هذا النظام الجديد رؤية الرئيس ترمب لإرساء نظام تجاري عالمي جديد كليًا، يقوم على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، حيث فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية تتراوح ما بين 10% و41% على طيف واسع من الدول، مع إيلاء اهتمام خاص لدول جنوب شرق آسيا التي سعت جاهدة للتخفيف من الأعباء الاقتصادية الناجمة عن هذه السياسة التجارية الصارمة.

حظيت أغلبية دول جنوب شرق آسيا، مثل فيتنام (20%)، والفلبين (19%)، وإندونيسيا (19%)، وماليزيا (19%)، وتايلاند (19%)، وكمبوديا (19%)، برسوم جمركية تتراوح بين 19% و20%، وهي معدلات باتت تُعتبر الآن بمثابة خط أساسي للمفاوضات التجارية المستقبلية مع الولايات المتحدة، وذلك وفقًا لتقديرات المحللين.

تُمثل هذه المعدلات تخفيضًا ملحوظًا مقارنة بالتهديدات الأولية التي وصلت إلى 46% لبعض الدول، مثل فيتنام، التي تمكنت من خفض التعريفة من خلال مفاوضات مُضنية تضمنت تعهدات بشراء منتجات أمريكية، بما في ذلك طائرات مقاتلة متطورة من طراز F-16.

ومع ذلك، تواجه هذه الدول تحديات جمة في إعادة هيكلة سلاسل التوريد الخاصة بها لتجنب تعريفات أعلى على المنتجات المُعاد شحنها من الصين، والتي تخضع لتعريفة باهظة تبلغ 40% إذا تم اكتشافها.

على النقيض تمامًا، واجهت كل من لاوس وميانمار معاملة أكثر قسوة، حيث فُرضت عليهما تعريفات باهظة القيمة تبلغ 40% بسبب عدم توصلها إلى اتفاقيات تجارية مع واشنطن.

تعكس هذه المعدلات المرتفعة نهج الرئيس ترمب في الضغط على الدول التي لديها فائض تجاري كبير مع الولايات المتحدة، حيث أشار مرارًا وتكرارًا إلى أن هذه الدول استغلت الولايات المتحدة لسنوات طويلة.

بالنسبة لكمبوديا وتايلاند، اتخذت القصة مسارًا مختلفًا؛ فقد تم تخفيض التعريفات من 49% و35% إلى 19% بعد موافقتهما على وقف إطلاق النار في نزاع حدودي، مما يوضح بجلاء كيف ربطت الولايات المتحدة السياسة التجارية بالدبلوماسية الإقليمية.

تُظهر هذه التعريفات القيمة التي توليها الولايات المتحدة للدول والتزاماتها لتجنب العقوبات الاقتصادية، فعلى سبيل المثال، وافقت إندونيسيا على شراء منتجات أمريكية بقيمة 15 مليار دولار في قطاع الطاقة، بالإضافة إلى طائرات بوينغ ومنتجات زراعية متنوعة، وذلك بهدف خفض تعريفتها من 32% إلى 19%.

كما حصلت الفلبين، الحليف الأقدم للولايات المتحدة في آسيا، على تخفيض طفيف من 20% إلى 19% مقابل فتح أسواقها أمام السيارات الأمريكية، على الرغم من الانتقادات الداخلية التي طالت محدودية هذا التخفيض.

تُبرز هذه السياسة إستراتيجية ترمب «أمريكا أولاً»، التي تهدف في جوهرها إلى تقليص العجز التجاري الأمريكي المتفاقم، والذي بلغ 123.5 مليار دولار مع فيتنام وحدها في عام 2024.

ومع ذلك، يحذر الخبراء والمحللون من أن هذه التعريفات قد تعيق النمو الاقتصادي المتوقع وترفع معدلات التضخم، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على التصدير إلى الولايات المتحدة، كما تثير مخاوف جدية من تعزيز نفوذ الصين المتنامي في المنطقة، حيث تسعى دول جنوب شرق آسيا إلى تنويع شراكاتها التجارية لتقليل الاعتماد الكلي على السوق الأمريكية.

ويعكس نظام التعريفات الجديد رؤية الرئيس ترمب الطموحة لإعادة تشكيل التجارة العالمية، مع تأثيرات كبيرة على منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها، وبينما نجحت غالبية الدول في تخفيض التعريفات عبر المفاوضات المعقدة، تواجه كل من لاوس وميانمار تحديات اقتصادية جسيمة بسبب التعريفات المرتفعة، بينما تُظهر حالة تايلاند وكمبوديا الترابط الوثيق بين السياسة التجارية والدبلوماسية الإقليمية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة